قانون العمل المصري الجديد رقم 14 لسنة 2025: انطلاقة نحو عدالة اجتماعية أكثر رسوخًا
في ظل التحولات العالمية المتسارعة، لم تعد قوانين العمل مجرد أداة لتنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، بل أصبحت انعكاسًا مباشرًا لفلسفة الدولة تجاه العدالة الاجتماعية، واستقرار سوق العمل، وكرامة الإنسان المنتج.
منذ عام 1919، وضعت منظمة العمل الدولية معايير واضحة تحكم هذه العلاقة، وكان "الإعلان المئوي لمستقبل العمل" في 2019 تأكيدًا على أن التقدم الاقتصادي لا ينفصل عن حماية الحقوق، والحوار الاجتماعي، والعمل اللائق. ثم جاءت جائحة كورونا لتكشف هشاشة أسواق العمل حول العالم، وتعيد ترتيب الأولويات نحو حماية العامل، وتوسيع مظلة الأمان الاجتماعي، خاصة للفئات الأكثر هشاشة.
استجابة لهذه التحولات، بدأت دول كثيرة مراجعة تشريعاتها، في ضوء اتفاقيات دولية أساسية مثل التوصية رقم 205 بشأن العمل في الأزمات، والاتفاقية رقم 158 بشأن إنهاء الاستخدام، وغيرها. وفي هذا السياق، جاء قانون العمل المصري رقم 14 لسنة 2025، لا كتعديل تقني لقانون 2003، بل كتعبير عن تحوّل في فلسفة التنظيم العمالي: من منطق الرقابة إلى منطق الشراكة، ومن حماية رمزية إلى حماية فعالة تُدرك أن ضمان حقوق العامل ليس عبئًا، بل ركيزة لاستدامة الاستثمار.
هذا القانون يحمل في طيّاته رؤية جديدة لإعادة ضبط التوازن داخل بيئة العمل. وفي هذه المقالة، نسعى إلى تحليل أبرز ملامح هذا التحول، في ضوء المبادئ الدستورية والمعايير الدولية، مع التوقف عند ما يطرحه من فرص، وما يكشفه من تحديات، على طريق بناء بيئة عمل أكثر عدلًا واستقرارًا.
أولًا:- التعديلات الجوهرية في ضوء المقارنة بالقانون السابق
أ- مكافحة التحرش والعنف والتمييز في بيئة العمل:
أقر القانون حظرًا صريحًا لجميع صور العنف والتحرش في بيئة العمل سواء كان تحرش، عنف لفظي/ جسدي/ نفسي، وأوجب على أصحاب الأعمال اتخاذ تدابير فعالة لضمان بيئة خالية من التهديد والتمييز وذلك من خلال توفير آليات لحماية الضحايا بما يتماشى مع نص المادة 53 من الدستور.
ب- تنظيم عقود العمل:
- أدخل القانون تعديلات جوهرية علي شكل ومضمون عقد العمل، سعيًا لتعزيز الشفافية وضمان حقوق الطرفين منذ اللحظة الأولي للعلاقة التعاقدية.
- وقد نص القانون علي ضرورة كتابة العقد باللغة العربية بـ 4 نسخ (لصاحب العمل، الموظف، التأمينات الاجتماعية، الجهة الإدارية المختصة- وهي الوزارة المعنيـة بـشئون العمـل ومـديرياتها وإداراتها التابعة لها على مستوى الجمهورية-).
- وفي حال عدم وجود عقد مكتوب، يجوز لكل من العامل وصاحب العمل إثبـات علاقة العمل، ومدته، وجميع الحقـوق المترتبـة عليهـا بطـرق الإثبـات كافـة.
كما شدد المشرع علي منع التحايل في مدة العقد:
فنص علي أن العقد يتحول إلي غير محدد المدة في الحالات التالية: (إذا لم يكن مكتوبًا، أو خلا من تحديد مدة واضحة، أو استمر العمل بعد انتهاء المدة دون تجديد كتابي).
ج- حفظ ملفات العاملين:
- حرص القانون علي إرساء قواعد واضحة لحفظ ملفات الموظفين، بما يضمن التوثيق الكافي لأي علاقة عمل.
- وقد ألزم صاحب العمل بالاحتفاظ بملف العامل لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ انتهاء علاقة العمل، مع إمكانية حفظها إلكترونيًابشرط إثبات تسجيل العامل في التأمينات الاجتماعية.
د- توحيد مهلة الإخطار:
أُلغيت التفرقة بين مدد الإخطار السابقة، حيث أصبحت المهلة موحدة وثابتة ثلاثة أشهر ثابتة للعقود غير محددة المدة، بما يعزز وضوح العلاقة القانونية ويُقلّل من المنازعات المُرتبطة بتأويل مدد الإخطار.
ه- دمج العمالة غير المنتظمة داخل الإطار القانوني:
- أحد أبرز ملامح التعديل يتمثل في الاعتراف القانوني الصريح بفئة العمالة غير المُنتظمة، بما يشمل (عمال الزراعة الموسميون، وعمال المقاولات، وعمال البحر، وعمال المناجم والمحاجر).
- وقد تم تأسيس صندوق لإعانات الطوارئ والخدمات الاجتماعية والصحية للعمالة غير المنتظمة، يُموّل من أجور العمالة غير المنتظمة، لتقديم خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، مع إلزام صاحب العمل بتنظيم العلاقة تعاقديًا مع هذه الفئات.
و- عمالة الأطفال:
- رُفع الحد الأدنى لسن التشغيل إلى 15 عامًا، وسن التدريب إلى 14 عامًا مع إصدار بطاقة تدريب موثقة، واشتراط عدم تأثير التدريب على التعليم الإلزامي.
- تم حظر تشغيل الأطفال في الأعمال الخطرة حفاظًا على سلامتهم وكرامتهم.
ز- حماية المرأة العاملة:
في إطار حرص المشرع على تعزيز مبدأ المساواة وتمكين المرأة، أقرّ القانون الجديد حزمة من الضمانات المتقدمة لحماية المرأة العاملة، بما يراعي خصوصيتها ويدعم التوازن بين متطلبات العمل والأسرة. وأهمها:
- زيادة مدة إجازة الوضع إلى أربعة أشهر، تشمل ما قبل وما بعد الوضع، على ألا تقل مدة الإجازة بعد الوضع عن 45 يومًا، مع تقديم شهادة طبية بالوقت المُرجح للوضع، وتُمنح الإجازة ثلاث مرات طوال مدة الخدمة بدلاً من مرتين كما كان في السابق.
- تخفيض ساعات العمل اليومية بواقع ساعة تبدأ من الشهر السادس للحمل وحتى ستة أشهر بعد العودة من إجازة الوضع، وذلك دعمًا لصحة الأم والطفل.
3. إلزام المنشآت التي تضم 100 عاملة فأكثر بإنشاء حضانات أو التعاقد على توفيرها في أماكن مناسبة، لتيسير الرعاية النهارية للأطفال.
4. إتاحة نصف ساعة يوميًا كفترة رضاعة مدفوعة الأجر، وفقًا لاحتياجات الأم.
5. إجازة لرعاية الطفل لمدة تصل إلى سنتين عن كل مرة، بما لا يتجاوز ثلاث مرات خلال مدة الخدمة.
6. منح المرأة العاملة الحق في إنهاء عقد العمل بإرادتها في حال الزواج أو الحمل، بشرط إخطار صاحب العمل كتابة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الزواج أو بداية الحمل.
7. إجازة غير مدفوعة لمدة سنتين لرعاية الطفل في المنشآت التي يعمل بها 50 عاملًا فأكثر، ويمكن تكرارها بحد أقصى 3 مرات، بشرط قضاء سنة في الخدمة، وأن يفصل بين كل إجازتين سنتان على الأقل.
تؤكد هذه الضمانات التزام القانون بمقاربة شاملة لحماية المرأة وتعزيز مشاركتها الاقتصادية دون الإخلال بمسؤولياتها الأسرية.
ح- تنظيم تشغيل الأجانب:
- شهد قانون العمل المصري الجديد تعديلات جوهرية في تنظيم عمل الأجانب، تعكس توجهًا تشريعيًا نحو تحقيق التوازن بين فتح سوق العمل للاستثمارات الأجنبية وبين حماية المصالح الوطنية وتنظيم سوق العمل المحلي. وقد تضمنت هذه التعديلات توسعًا في نطاق التنظيم، وزيادة في الضوابط والالتزامات، مع مرونة أكبر في تكييف الترخيص والعمل وفقًا لاحتياجات الدولة والمستثمرين.
- أعاد المشرّع تعريف مفهوم "العمل" ليشمل ليس فقط العمل التابع، بل أيضًا العمل الحر، والعمل لحساب النفس، وأي مهنة أو صنعة بما في ذلك العمل في الخدمة المنزلية، بخلاف القانون القديم الذي اقتصر على العمل التابع والمهن اليدوية. هذا الاتساع في المفهوم يعكس إدراكًا تشريعيًا للواقع المتغير لسوق العمل.
- نص المشرع علي عدم جواز تشغيل أي أجنبي دون ترخيص مسبق من الوزارة المختصة، وأقرت رسومًا جديدة تتراوح بين 5000 و150,000 جنيه مصري، تشمل رسوم الترخيص والإعفاء من شروط الاستقدام. ويعد هذا التعديل أكثر دقة وملاءمة للسوق مقارنة بالنص القديم الذي اكتفى بحد أدنى للرسم دون سقف أو تدرج.
- أدخل القانون الجديد التزامات إضافية على صاحب العمل، منها:
- الإبلاغ عن غياب العامل الأجنبي لمدة 15 يومًا دون مسوغ قانوني.
- تحمل نفقات إعادة العامل إلى بلده بعد انتهاء علاقة العمل، ما لم يُنص على خلاف ذلك في العقد.
جاءت المادة (73) بجديد مهم يتمثل في السماح للوزير المختص، بالتنسيق مع وزير الاستثمار، بوضع قواعد خاصة لترخيص عمل الأجانب الخاضعين لقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017. ويمثل هذا التوجه تقاطعًا إيجابيًا بين تشريعات العمل وتشجيع الاستثمار، بما يحقق التوازن بين السيادة التشريعية ومتطلبات النمو الاقتصادي.
ط- أنماط العمل الحديثة:
- استحدث المشرع إطارًا قانونيًا جديدًا ينظم ما يُعرف بأنماط العمل غير التقليدية، التي تُعد من أبرز مظاهر تحديث التشريع بما يتوافق مع تطورات سوق العمل وتوسع الاعتماد على التكنولوجيا والمرونة التشغيلية. حيث نص على اعتبار كل عمل يتم بطرق غير تقليدية ويُؤدى لصالح صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه، مقابل أجر، أيًا كانت طريقة التنفيذ أو صورة الأجر، نمطًا من أنماط العمل الجديدة، وهو ما يعكس مرونة تعريف علاقة العمل التقليدية بما يسمح باستيعاب صور مختلفة من التشغيل دون افتئات على حقوق العامل.
- وقد عدد المشرع أبرز أنماط العمل الجديدة المعترف بها، ومنها:
- العمل عن بُعد: وهو أداء العمل من مكان غير مقر المنشأة المعتاد، باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة. ويعد هذا النمط ملائمًا للتحول الرقمي ومتطلبات قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات والخدمات.
- العمل لبعض الوقت (العمل الجزئي): حيث يؤدي العامل مهامّه خلال عدد ساعات أقل من ساعات العمل المعتادة للعاملين في ذات الوظيفة، مع حفظ حقوقه التعاقدية والتأمينية وفقًا للنسبة.
- العمل المرن: وهو أداء نفس عدد الساعات المطلوبة من العامل، لكن في توقيتات غير متصلة أو متغيرة، يتم الاتفاق عليها بين العامل وصاحب العمل. ويشمل هذا النمط تغيّر مواعيد أو مكان العمل بما يحقق التوازن بين متطلبات الإنتاج وظروف العامل.
- تقاسم العمل: وهو النمط الذي يتم فيه تقسيم مهمة أو وظيفة معينة بين أكثر من عامل، سواء من حيث الوقت أو المهام، ويتقاسمون الأجر وفقًا لما يتم الاتفاق عليه بينهم أو مع صاحب العمل.
- صور أخرى للعمل غير التقليدي: ترك المشرع الباب مفتوحًا لاستحداث أنماط إضافية من خلال قرار يصدر من الوزير المختص، مما يُضفي مرونة تشريعية للتكيف مع التطورات المستقبلية في سوق العمل.
كما أقرّ القانون الجديد حق العامل في العمل لدى أكثر من صاحب عمل، وذلك بموافقة كتابية مسبقة من صاحب العمل الأول، وبشرط التزام العامل بـمبدأ السرية، وعدم القيام بأي عمل من شأنه الإضرار بمصالح أي من أطراف العلاقة العمالية. ويأتي هذا التعديل في إطار مواكبة التطورات الحديثة في مفهوم التوظيف المرن، وتوسيع فرص العمل، بما يحقق التوازن بين مصلحة العامل في تحسين دخله وتطوير مهاراته، ومصلحة أصحاب العمل في حماية أسرارهم التجارية وتنظيم بيئة العمل.
ي- الإجازات والراحة الأسبوعية:
- أعاد القانون هيكلة منظومة الإجازات بشكل أكثر عدالة ومرونة، مع مراعاة ظروف العاملين في المواقع الخطرة، والمناطق النائية، وذوي الإعاقة، وذلك على النحو التالي:
- الإجازة السنوية:
- 15 يومًا في السنة الأولى،
- 21 يومًا اعتبارًا من السنة الثانية،
- 30 يومًا بعد عشر سنوات أو لمن تجاوز سن الخمسين،
- 45 يومًا لذوي الإعاقة.
- الإجازات الطارئة والعارضة: منح العامل الحق في الانقطاع عن العمل لسبب عارض 7 أيام سنويًا (بدلًا من 6 أيام)، بحد أقصى يومين متتاليين في المرة الواحدة، وهي تُحسب من الإجازة السنوية المقررة للعامل.
- إجازة الدراسة: منح القانون العامل الحق في الحصول على إجازة مدفوعة لأيام الامتحانات (شرط إخطار صاحب العمل قبل 10 أيام وإثبات دخوله الامتحان فعليًا).
- إجازة للأب: منح القانون العامل الذي يولد له مولود إجازة طارئة مدفوعة الأجر يوم الولادة، لا تُحسب من رصيد إجازاته السنوية (كحد أقصى 3 مرات خلال فترة الخدمة).
- العطلات الرسمية: إذا اقتضت ظروف العمل تشغيل العامل خلالها للعامل خيار بين أجر إضافي أو يوم إجازة بديل عوضًا عنه (كان الأجر الإضافي إلزاميًا فقط سابقًا).
ك- الإجازات المرضية:
- أدخل القانون تعديلاً نوعيًا على تنظيم الإجازات المرضية، سواء من حيث نطاق الاستحقاق، أو نسب الأجر، أو الفئات المخاطبة. وقد حافظ المشرع على الحق العام للعامل في الإجازة المرضية، مع إعادة ضبط الأحكام الخاصة بالعاملين في المنشآت الصناعية.
- في كل من القانونين القديم والجديد، يحق للعامل الذي يثبت مرضه أو إصابته بعجز يمنعه عن أداء العمل، الحصول على إجازة مرضية وفق ما تقرره الجهة الطبية المختصة. كما يُصرف للعامل تعويض عن الأجر خلال فترة الإجازة المرضية، بحسب ما ينص عليه قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات.
- أما فيما يتعلق بالعاملين في المنشآت الصناعية، فقد استحدث القانون الجديد قواعد أكثر مرونة وتحسينًا لحقوق العامل الصناعي في حال المرض، للعامل الحق في إجازة مرضية كل ثلاث سنوات يقضيها في الخدمة، تُوزع كالتالي: ثلاثة أشهر بأجر كامل، تليها ستة أشهر بأجر يعادل 85% من أجره، ثم ثلاثة أشهر بأجر يعادل 75%، وذلك كله إذا قررت الجهة الطبية المختصة احتمال شفائه. ويُلاحظ أن هذه المدد جاءت أكثر سخاءً مقارنة بالقانون القديم، الذي كان يمنح شهرًا واحدًا فقط بأجر كامل، ثم ثمانية أشهر بنسبة 75%، ثم ثلاثة أشهر بدون أجر.
- وقد حرص المشرع كذلك على تنظيم العلاقة بين التزامات صاحب العمل ونظام التأمين الاجتماعي، فنص صراحة على أن الأجر الذي يلتزم به صاحب العمل يُخصم منه ما تؤديه هيئة التأمين الاجتماعي من تعويض عن الأجر، بما يحول دون الازدواج في دفع المستحقات، ويضمن التوازن بين حماية العامل وعدم إرهاق صاحب العمل ماديًا.
- كما نص المشرع على إجازة إجبارية تصل إلى 3 أشهر عند مخالطة مصابين بأمراض معدية، وفقًا لتقرير مُعتمد من وزارة الصحة.
ل- الأجور والبدلات:
- أدخل المشرّع المصري بموجب القانون رقم 14 لسنة 2025 تعديلًا جوهريًا على تعريف الأجر، متجاوزًا الصياغة العامة الواردة في القانون السابق، وذلك بهدف إحكام تنظيم العلاقة المالية بين العامل وصاحب العمل، وتحديد مكونات الأجر بصورة أدق وأشمل. ففي ظل القانون القديم، كان الأجر يُعرف بأنه: "كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله، سواء كان ثابتًا أو متغيرًا، نقدًا أو عينًا"، دون أي تفرقة داخلية بين مكوناته. أما القانون الجديد، فقد تبنّى تقسيمًا ثنائيًا واضحًا للأجر إلى نوعين:
- الأجر الأساسي: وهو ما يُتفق عليه في عقد العمل، بالإضافة إلى ما يُضم إليه من علاوات، إذا تم النص على ضمها.
- الأجر المتغير: وهو باقي ما يحصل عليه العامل من مزايا مالية أو عينية، ويشمل – على وجه الخصوص – العناصر الآتية: "العمولات، العلاوات غير المضمومة، المنح، المكافآت، البدلات، نصيب العامل في الأرباح، الوهبة، مقابل الخدمة، والمزايا العينية."
- ويمثل هذا التعديل نقلة تنظيمية مهمة، إذ:
- فرّق بين العلاوات المضمومة وغير المضمومة، ما يترتب عليه آثار مباشرة في حساب الأجر الأساسي لأغراض التأمينات والمعاشات.
- أضاف "المكافآت" كمكون جديد للأجر المتغير، باعتبارها مقابلًا للتميز أو الكفاءة في أداء العمل، وهو عنصر لم يكن منصوصًا عليه صراحة في القانون السابق.
- استحدث "مقابل الخدمة" كعنصر مستقل ضمن مكونات الأجر، وهو ما يعكس استجابة المشرع للتطورات العملية في قطاعات كالسياحة والضيافة.
- ولم تقف التعديلات عند حدود إعادة تعريف الأجر، بل تضمنت مجموعة من الضوابط والضمانات الجديدة التي تهدف إلى تعزيز حماية العامل في مواجهة تعسف صاحب العمل أو عدم التزامه، ومن أبرزها:
- إلزام صاحب العمل بسداد الأجر عن طريق التحويل البنكي متى توافرت الإمكانيات الفنية لذلك، بما يعزز الشفافية ويُيسّر إثبات استلام الأجر.
- حظر احتجاز الأجر أو تأخيره دون سند قانوني، حماية للحق المالي للعامل.
- تأكيد مبدأ المساواة في الأجر بين الجنسين عن العمل متساوي القيمة، تعزيزًا لتكافؤ الفرص والمساواة الوظيفية.
- تحديد حد أدنى للأجور يضمن كرامة العامل في مواجهة تدني مستويات المعيشة.
- خفض معدل العلاوة الدورية من 7% إلى 3% من أجر الاشتراك التأميني، مع السماح للمنشآت المتعثرة بالتقدم للجنة الأجور الوطنية بطلب إعفاء مؤقت إذا واجهت صعوبات اقتصادية.
- أعاد القانون الجديد تنظيم الأحكام الخاصة بإنهاء عقود العمل محددة المدة وغير محددة المدة، بما يكفل حماية أفضل للعامل ويوضح بشكل أدق التزامات الطرفين عند الإنهاء.
- فيما يتعلق بعقود العمل محددة المدة: ظل المبدأ العام بانتهاء العقد بانقضاء مدته قائمًا، مع تمكين العامل من إنهائه دون تعويض إذا زادت مدة العقد أو تجديده على خمس سنوات، بشرط الإخطار المسبق بثلاثة أشهر. إلا أن القانون الجديد أضاف ضمانة جديدة لصالح العامل، حيث قرر أنه في حال كان الإنهاء من جانب صاحب العمل، يستحق العامل مكافأة تعادل أجر شهر عن كل سنة من سنوات خدمته.
- وفي عقود العمل غير محددة المدة: أدخل المشرّع تعديلات مهمة عليها حيث:
- نص على أن لكل من طرفي العقد الحق في إنهائه بشرط الإخطار المسبق كتابةً بثلاثة أشهر، وهو ما يمثل توحيدًا لمهلة الإخطار بغض النظر عن صفة الطرف المُنهي للعقد.
- لم يعد الإنهاء مجرد قرار من جانب أحد الطرفين، بل اشترط المشرّع وجود مبرر مشروع وكافٍ للإنهاء، سواء من العامل أو من صاحب العمل.
- قرر جزاءً صريحًا في حالة إنهاء العقد من قبل صاحب العمل دون مبرر مشروع، حيث يستحق العامل تعويضًا لا يقل عن أجر شهرين عن كل سنة من سنوات خدمته.
- ن- الاستقالة:
- ادخل المشرع تعديلات مهمة علي أحكام الاستقالة بصورة أكثر انضباطًا وتوازنًا، بما يحمي كل من العامل وصاحب العمل، حيث:
- يجب توثيق الاستقالة كتابيًا لدى الجهة الإدارية المختصة، وأن تكون الاستقالة موقعة من العامل أو وكيله الخاص.
- لا تعتبر الاستقالة نافذة بمجرد تقديمها، بل تشترط صدور قرار صاحب العمل بقبولها.
- يلتزم العامل بالاستمرار في العمل لمدة عشرة أيام من تاريخ تقديم الاستقالة، ما لم يصدر خلالها قرار القبول.
- أعطي القانون العامل أو وكيله الخاص حق العدول عن الاستقالة خلال عشرة أيام من تاريخ الإخطار بالقبول.
- الغياب غير المبرر لأكثر من 20 يومًا غير متتالية أو 10 أيام متتالية يُعتبر بمثابة استقالة ضمنية، ما لم يُقدم عذر مشروع.
- ادخل المشرع تعديلات مهمة علي أحكام الاستقالة بصورة أكثر انضباطًا وتوازنًا، بما يحمي كل من العامل وصاحب العمل، حيث:
- س- إلغاء استمارة 6: تعزيزًا لمبدأ "لا فصل إلا بحكم قضائي"، لأول مرة، أُلغي استخدام استمارة (6) التي كانت تستخدم كأداة لفصل العاملين بشكل غير قانوني خارج القضاء.
- ع- الفحص الطبي وحماية بيانات العامل:
- أجاز القانون لصاحب العمل طلب إجراء فحوصات طبية، بشرط:
- أن يتحمل صاحب العمل تكلفة الفحص بالكامل.
- يجب على صاحب العمل اتباع السرية في إجراء الكشف الطبي وعدم الإفصاح عن الوضع الصحى للعامل.
- وفي حال ثبوت إيجابية النتائج، يتم إحالة العامل إلى المحكمة العمالية المختصة للنظر في وضعه وفقًا للقانون.
- أجاز القانون لصاحب العمل طلب إجراء فحوصات طبية، بشرط:
- ف- المحاكم العمالية المتخصصة:
- تم النص على إنشاء دوائر عمالية متخصصة داخل المحاكم الابتدائية، بحيث تختص حصريًا بالفصل في المنازعات العمالية.
- اعتبارًا من أكتوبر 2025، تُباشر المحاكم العمالية اختصاصها، مع التزامها بالفصل في دعاوى الفصل خلال ثلاثة أشهر على الأكثر من أول جلسة.
- جاءت التعديلات التي تضمنها قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 في إطار سعي الدول لإصلاح منظومة العمل بما يُحقق الانسجام مع المبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية.
- أ. التوافق مع المبادئ الدستورية:
- المادة (13) التي تُلزم الدولة بضمان شروط عادلة للعمل.
- المادة (53) التي تحظر التمييز.
- المادة (93) التي تقر بأولوية الاتفاقيات الدولية على التشريع الداخلي في حال التعارض.
- ب. التوافق مع الاتفاقيات الدولية:
- يستلهم القانون روح الاتفاقية رقم 158 لسنة 1982 بشأن إنهاء الاستخدام، رغم أن مصر لم تصدّق عليها رسميًا.
- يتوافق القانون الجديد مع الاتفاقية رقم 111 لسنة 1958 بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة.
- تنسجم التعديلات المتعلقة بإجازة الوضع مع الاتفاقية رقم 183 لسنة 2000 بشأن حماية الأمومة.
- يواكب القانون الجديد مبادئ الاتفاقية رقم 87 لسنة 1948 بشأن حرية التنظيم النقابي.
- يعكس إنشاء صندوق خاص بفئة العمالة غير المنتظمة، وتوسيع الحماية القانونية والاجتماعية لها، اقترابًا من الاتفاقية رقم 102 لسنة 1952 بشأن الحد الأدنى للضمان الاجتماعي.
- رغم الطابع التقدمي الذي اتسمت به تعديلات قانون العمل رقم 14 لسنة 2025، فإن الواقع العملي في السوق المصري يُنبئ بعدد من التحديات التي قد تعوق التطبيق السليم لأحكام القانون.
- 1. صعوبة الالتزام بالحظر الكامل للفصل دون حكم قضائي.
- 2. ضعف الوعي القانوني لدى شريحة واسعة من العمال.
- 3. نقص الموارد البشرية والمادية لأجهزة التفتيش العمالي.
- 4. أعباء إضافية على أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
- 5. صعوبة إثبات وقائع التحرش أو التمييز.
- 6. تحويل النصوص إلى واقع يتطلب تفعيل سريع وفعّال للمحاكم العمالية المتخصصة.
- يُجسد قانون العمل المصري رقم 14 لسنة 2025 نقطة تحوّل تشريعي بارزة في مسار إصلاح منظومة العمل، حيث تجاوز حدود التنظيم التقليدي إلى بناء رؤية متكاملة تقوم على صون الكرامة الإنسانية، وتحقيق التوازن بين متطلبات الاستثمار وحقوق العامل.
- ومع ذلك، فإن بلوغ الأثر العملي المرجو من هذا القانون لا يتوقف على جودة النصوص فحسب، بل يتطلب الإسراع بإصدار لائحة تنفيذية واضحة، وتدعيم أجهزة التفتيش العمالي، وتكثيف برامج التوعية القانونية.